الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تشرينيات نجفية 1 و 2 و 3

(1)

في الذكرى الثانية لانتفاضة تشرين تتجدد صرخات العراقيين بنفس المطالب التي انطلقت من أجلها، وأضيف اليها لاحقاً وأهمها محاسبة قتلة المتظاهرين والجهات التي تقف خلفهم.عبّرت الانتفاضة الشعبية في تشرين 2019 عن رفض الشعور بالظلم وانعدام العدالة الاجتماعية بسبب المحاصصة وإستشراء الفساد بأنواعه وسوء إدارة أزمات البلاد المتعمقة بكل اشكالها الإقتصادية والخدمية والتعليمية والأمنية وغيرها، الى درجة دفعت الشباب لرفع اصواتهم عالياً بوجه الحكومة مطالبيبن بحقوقهم في وطن يكفل لهم حياة كريمة، الى درجة استعدادهم للتضحية بالحياة ومواجهة الرصاص والموت، رغم تتابع زيادة اعداد الشهداء والجرحى.

مما يميز إنتفاضة تشرين رغم طابعها الشبابي الواضح، هو انخراط فئات اجتماعية اخرى فيها، أوجدت لها مكاناً في سوح الإحتجاج في المحافظات، ونصبت خيماً لها وقامت بدورها المطلوب في الإنضمام الى الإنتفاضة. ولم تتأخر محافظة النجف في إنطلاق تظاهراتها وإنشاء خيم المنتفضين في ساحة إعتصام النجف استكمالاً للتظاهرات الجماهيرية في الأعوام السابقة منذ 2011. سأحاول هنا، وعلى حلقات، نقل تجربة مشاركة المرأة النجفية في الإنتفاضة، ودور رابطة المرأة العراقية فرع النجف قيها.

في البداية توافدت النساء الى ساحة اعتصام النجف لرغبتهن بالمشاركة، فكان ذلك دورا مشرفا للمراة العراقية على اختلاف انتمائاتها ومواقعها المجتمعية من ربة البيت وطالبة الجامعة والتربوية والطبيبة وغيرهن، كنا نلتقي يوميا في ساحة الاعتصام ونجوب الساحة رافعين أصواتنا ضد الظلم والباطل وكنا نتفق يوميا على مكان للتجمع امام احدى الخيم والانطلاق بمسيراتنا وهتافاتنا، ويتغيير المكان يوميا. هنا إنبثقت فكرة نصب خيمة خاصة لنا للتجمع وانطلاق تظاهراتنا النسوية منها، وكل فعالياتنا ونشاطاتنا، فتم نصب خيمة وباجماع المشاركات اتُفق على تسميتها ب ( خيمة المراة ثورة )، وكانت الخيمة النسوية الوحيدة في الساحة مع تواجد النساء ضمن خيم الشباب المنتفض وكان دورهن متميز في مساعدة الاخرين بالطبخ وتجهيز الطعام أو تقديم الاسعافات الاولية مع زملائهم، فكانت خيمتنا بيتاً يجمعنا كعائلة، نلتف بعلمنا العراقي وتجمعنا هويتنا الوطنية فقط بعيدا عن كل الهويات الفرعية الاخرى.

كانت لخيمتنا برامج عمل نعدها يوميا وننفذها، وعند وجود أمور عارضة وطارئة بسبب الوضع الامني والسياسي، نغيّر برامجنا احيانا، وفي الايام الاولى للانتفاضة كانت اغلب نشاطاتنا تتركز على الشعارات والهتافات والردات الوطنية، التي ننطلق بها بعد الظهر يوميا نجوب الساحة وامام الخيم، فكانت تُلهب حماسة الحضور وتشجعهم على جلب عوائلهم للساحة ومشاركتنا التظاهرات، كان حضور النساء وتواجدهم في الخيمة في أوقات الصباح وبعد الظهر الى وقت غروب الشمس حيث نُغلق خيمتنا ونجعلها برعاية شبابنا المعتصمين في الخيم المجاورة ومنها خيمة النقابات.. . . . .

تشرينيات نجفية

(2)

الخيمة بيتنا الثاني

كانت خيمة (المرأة ثورة) في ساحة الإعتصام مقراً للنساء والشابات المتظاهرات، من عضوات رابطة المرأة العراقية فرع النجف وغيرهن الأخريات ممن انضممن الى الحراك الإحتجاجي، وشاركن في التظاهرات اليومية في ساحة الإعتصام. وفي شهر تشرين الثاني 2019 بدأ تجمع النساء يزداد ويتسع ليشمل شرائح جديدة من الشابات والنساء وبمختلف الأعمار والتوجهات والمهن، من ربة البيت الى الاعلامية الى استاذة الجامعة والتربوية والمعلمات وطالبات الجامعة.

وبدأنا بتنظيم برنامجنا اليومي حيث نخطط يومياً لما سنقوم به في اليوم التالي من الفعاليات والنشاطات الإضافية بعد المشاركة اليومية في التظاهرات، فقررنا أن نقيم ندوة تتحدث فيها النساء عن سبب حضورهن للساحة والمشاركة في التظاهرات مع أخوتهن وابنائهن الشباب في الساحة.

كانت البداية معي، تكلمت أنا عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وفرت الأرضية لإنطلاقة الإنتفاضة، وعن مساهمات رابطة المرأة العراقية والمنظمات الأخرى في خلق تراكم الحراك الإحتجاجي منذ عام 2011 في النجف والعراق. بعد ذلك فُتح باب النقاش وبدأنا نسمع آراء النساء الموجودات واسباب وجود كل واحدة منهن، وكانت الآراء مختلفة ولكنها تجتمع تحت مظلة استعادة الوطن من الفاسدين وتأمين حياة حرة كريمة للناس.

من ضمن الفعاليات أيضاً ان النساء يحضرن للساحة مع بناتهن وابنائهن الصغار،ً ففكرنا باقامة مرسم حر للأطفال على الرصيف الذي تتواجد فيه خيمتنا، ووفرنا لهم أٌقلام تلوين وكارتات ملونة، وبدأ الأطفال الرسم على الرصيف وبرعايتنا لهم، وعلقنا نتناجاتهم على جدار خيمتنا والخيم المجاورة، وكانت أغلب الرسومات تعبر عن حب الوطن والبلد، كانت فعالية جميلة أفرحت الأطفال وعوائلهم.

أقترحت علينا احدى الشابات المشاركات في الإحتجاج، وهي طالبة فنون جميلة تحضر يوميا مع شقيقتها برفقة والدهما الى الساحة والخيمة، أن تشارك بمعرض خاص لنتاجاتها، رحبّنا بالفكرة ووفرنا لها ماتحتاجه، وبعد بضعة أيام أكملت 15 لوحة جميلة مواضيعها عن التظاهرات والانتفاضة في بغداد والنجف، ومعاناة الشباب واستخدام الغاز المسيّل للدموع ضدهم، وتم تعليق اللوحات على جدران خيمتنا والخيم المجاورة، وشاهدالمعرض المحتجين في الساحة من الشباب المنتفض ومن يشاركهم، وجرى تغطية المعرض من قبل بعض الفضائيات، التي أجرت بعض اللقاءات مع بعض الشابات والنساء اللواتي أوصلن صوتهن الاحتجاجي عبر وسائل الإعلام.

وصادف في 13 تشرين الثاني 2019 عيد ميلاد إحدى الشابات المتظاهرات، واقترحت علينا إقامة فعالية عيد ميلادها في الساحة امام الخيمة، ورحبنا كثيرا بالفكرة، وجلبت هي كيكة عيد ميلادها وعليها صورتها وشموع المناسبة، من جانبنا في رابطة المرأة العراقية وفرنا الحلوى وهدايا لها، واحتفلنا معها في الساحة أمام خيمتنا، وشاركنا الاحتفال كثير من النساء، وشاهد الفعالية من كان متواجداً في الساحة. لقد كانت مبادرة جميلة حملت كمية كبيرة من الفرح للجميع، وتحقق ما كنا نعتبره ان الخيمة هي بيتنا الثاني، وبدلا من ان نقيم فعالياتنا في البيت نشارك الآخرين معنا في الخيمة وساحة الاعتصام. من الجدير بالتأكيد هو اننا كنا نراعي العادات والتقاليد الموجودة ونتصرف بالتحفظ المطلوب، لأن المكان مفتوح ويتواجد فيه الشباب، ولذلك كانت فعالياتنا مصدر احترام وتقدير من جميع المتواجدين من الرجال والنساء والشباب في الساحة، وكانت الفعاليات ايضاً مصدر قوة وفرح لنا وللجميع.. ........

تشرينيات نجفية (٣)

تضامن النقابات

منذ أشهر الانتفاضة الأولى اتسعت مشاركة الفئات المجتمعية المختلفة وانضمت مجاميع جديدة إلى ساحة الاعتصام شملت نقابات مهنية وتجمعات اجتماعية مختلفة، كل يريد أن يكون صوته مشاركاً مع مطالب الشباب العادلة، ومضيفاً لها مطالب جديدة ذات طابع تخصصي. من هذه الفئات كانت نقابة المعلمين المعروفة بمواقفها الوطنية، فأعلن مركز النقابة العام بعد اجتماع للمجلس المركزي وموافقة جميع الفروع على إعلان يوم 3 تشرين الثاني موعداً للإضراب العام لمدة أسبوعين، وبالتأكيد شارك فرع النجف في هذا الإضراب، ولتأمين تبليغ أسرع وشامل استخدمت صفحات التواصل الاجتماعي لذلك، ووضعت على صفحتي صورة لي وأنا أحمل بطاقة كُتب عليها (بدأ الإضراب)، وكانت الاستجابة من قبل المعلمين كبيرة، فأغلقت المدارس، وامتنع طلبة المدارس عن الحضور، وكان هذا موقفا مشرفا لنقابة المعلمين المركز العام وفرع النجف وشجاعة من الهيئات الإدارية للنقابة في باقي المحافظات، ورغم كل الضغوطات التي مورست ضدهم، امتنع المعلمون عن الدوام واستمر الإضراب. في بداية انطلاقة انتفاضة تشرين، تشكلَ تجمع للنقابات والاتحادات والجمعيات، يجتمع ممثلوهم أسبوعيا، وتصدر عن هذه الاجتماعات بيانات تضامنية مع المنتفضين والمتظاهرين، ولكوني عضوا في نقابة المعلمين حضرتُ عدة اجتماعات معهم بتكليف من نقيب المعلمين حينها، واتفقنا بعد أحد الاجتماعات في نقابة المهندسين الزراعيين، على إقامة تظاهرة اسبوعية تشمل كل النقابات وتنطلق من المجسر قرب نقابة المعلمين على شكل كراديس، يمثل كل كردوس نقابة بذاتها منها نقابات المعلمين، الأطباء، المحامين، المهندسين، المهندسين الزراعيين، اتحاد نقابات العمال والجمعيات الفلاحية، ولذلك كانت تلك تظاهرات ضخمة جداً تضم آلاف المشاركين، وعند الوصول إلى ساحة اعتصام النجف تنحى كل نقابة بجهة خاصة بها وتلقي البيانات من إحدى المنصات أو التجمعات وبمكبرات الصوت. يُذكر أنه تم نصب خيمة كبيرة باسم (خيمة الاتحادات والنقابات)، وهناك بعض النقابات قد نصب خيما خاصة به مثل خيمة الأطباء وخيمة الأطباء البيطريين، وكذلك خيمة الهلال الأحمر التي كانت تقدم الإسعافات الأولية للشباب الذين يتعرضون إلى اعتداءات الميليشيات. ما يميز مشاركة نقابة المعلمين انها كانت تضم المعلمين والمعلمات والمشرفين والمشرفات التربويين ومدراء المدارس، لقد كان حضورا مشرفا لهم، وكانت الردات والهتافات التي يكتبها أحد المعلمين، ردات جميلة تتكلم عن واقع التربية ومطالب التربويين في الانتفاضة، وكان لي الشرف أن أقود هذه التظاهرات، ووفرت النقابة لي مكبرا للصوت لاستخدمه وأنا أقرأ الردات والهتافات وصولا إلى الساحة. ومنذ أولى أيام تشرين الأولى وبدء حملة اعتقالات ضد الشباب بادرت نقابة المحامين إلى تبني الدفاع عن الشباب، وتطوع عدد من المحامين لمتابعة قضاياهم عند الأجهزة الأمنية الحكومية والسلطات القضائية من أجل إطلاق سراحهم لعدم ارتكابهم عملا غير قانوني، وواصل أعضاء النقابة عملهم هذا طيلة أشهر الانتفاضة بروح متفانية عالية، عبرت عن تلاحم هذه الفئة مع الانتفاضة ومطالبها العادلة، وكان موقفهم هذا مشرفاً لهم ولمهنة المحاماة.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 15-10-2021     عدد القراء :  2175       عدد التعليقات : 0