حشر جبران حكمة عظيمة في جملتين هما برأيي اعظم ما كتب: "سرق احدهم بطيخة من مزرعة جاره. ولما فتحها وجدها عجراء، فاستيقظ ضميره، وندم لأنه سرق البطيخة!"
ويقصد جبران بسخريته الخفية، إلى القول ان ما نسميه "استيقاظ ضمير" أو دفاع عن المبادئ، كثيرا ما يكون مجرد خيبة أمل بنتائج التخلي عن المبادئ، وأننا لا نركب حصان المبادئ غالبا، إلا بعد أن نرى ان التخلي عنها لم يعد علينا بالرشوة المرجوة!
إنه بالضبط ما حدث أمس في البرلمان عند التصويت بأسلوب "السلة الواحدة" اللااخلاقي واللاقانوني على القوانين الثلاثة، فظهر النواب محتجين وهاجموا الأسلوب كما هاجموا طريقة تطبيقه غير الأمينة.
لكنهم مثل صاحب جبران، الذي لم "يستيقظ ضميره" إلا بعد أن "فتح البطيخة ووجدها عجراء". فالذي يعترض مبدئيا على اجراء معين يعتبره غير سليم مبدئيا، يجب أن يعترض منذ البداية. هذا الشخص يجب ان يمتنع عن سرقة جاره أساسا، لا ان ينزعج بعد فشله في الحصول على المكافأة.
لا يبدو ان المبدأ كان يعني نوابنا بشيء، لأنهم أيضا انتظروا النتيجة ولم يحتجوا الا بعد ان وجدوا "البطيخة" عجراء!
ولا اعتقد ان المواطن يقف موقفا مختلفا في هذا الأمر. فلو ان الأمور مشت بشكل آخر وظهرت "البطيخة" طازجة، فلن ينبس أحد بكلمة حول أسلوب الوصول الى تلك النتيجة.
فقد شاهدنا المواطن يتقبل كل الانحطاط الأخلاقي للسوداني وحكومته، ولا يعترض بل صرخ الأغلبية منهم بوجه من اعترض: "خلوه يشتغل"!
و "خلوه يشتغل" تتجنب النقاش حول أخلاقية موقف المعني، ولا تقول ان عمله سليم ام لا، بل تنتقل الى "نتائجه". أي إنها تعني: اعطوه فرصة لعله يزيد الرشوة لنا – "لعله يستطيع ان يسرق لنا بطيخة لذيذة"!
لذلك لم نر الكثير من الاحتجاج على انتهاكات السيادة المرعبة، لكن الأصوات ارتفعت حين ارتفع الدولار، او حين رفعت الحكومة سعر البنزين!
ماذا نريد؟
1- نتمنى ان ينجح النواب بإقالة رئيس البرلمان عديم الاخلاق
2- أن لا يكتفوا بإقالته، بل بمحاكمته بتهمة الغش وعرقلة النظام الديمقراطي، او اية تهمة يجدها المحامون الأنسب لتلقينه درسا وليكون عبرة لمن اعتبر
3- أن يقوم النواب بالتصويت على الغاء ذلك القانون سيء الصيت.
4- أن يسعى النواب المحتجون الى إصدار قانون يمنع مستقبلا تمرير اية قرارات بطريقة السلة سيئة الصيت.
5- ان يبذل بعض جهد لتثقيف الناس على أهمية المبادئ، وضرورة الالتزام بها حتى حين لا تكون نتائجها مرضية، وعلى خطورة ابتزازها لمصالحهم، وتوضيح ان المبادئ هي لصالحهم في النهاية، حتى ان لم تكن كذلك في كل التفاصيل..
اعرف انها من أحلام "الخيال العلمي"، أو "احلام العصافير" على حد تعبير الفيلسوف مسعود البرزاني، لكن الأحلام وإن كانت لا تتحقق، لكنها توجه البوصلة. لنتجه اليها، ولنر ما يمكن تحقيقه، فكل انتصار في اتجاهها في هذه الأيام الحالكة، امر عظيم.