الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
شيوخ العشائر في العراق.. تحليل شخصية

شغلني سلوك شيوخ العشائر فرحت ابحث في تاريخهم عن علاقتهم بالحاكم تحديدا،فوجدت انهم كانوا يقفون مع الأقوى. ففي التقرير الذي أعدته دائرة الاستخبارات البريطانية في العراق عن مشايخ ولاية بغداد سنة 1917،يذكر مترجمه الدكتور عبد الجليل الطاهر أن بعض شيوخ العشائر كانوا متعاونين مع الإنكليز،وأنهم كانوا يحصلون منهم على الرشوات،وأن الإنكليز استعملوا أساليب الإغراء وتلويث الضمائر واستطاعوا شراء ذمم بعض شيوخ العشائر.

وكان الحكم الملكي هو العصر الذهبي لشيوخ العشائر،اذ صاروا فيه أصحاب ثراء فاحش وجاه عظيم واعتبار اجتماعي كبير وسلطة يستعان بها في إدارة البلاد وضرب المعارضة السياسية. وكان دورهم في البرلمان مثار سخرية الناس وإطلاق النكات عليهم،من قبيل التصويت داخل البرلمان على قرار برفع الأيدي،وكان أحدهم نائما في المجلس ولما أيقظوه رفع يده وقال”موافج..يعني موافق” دون أن يعرف ما هي القصة!

وفي زمن النظام الدكتاتوري، عمد صدام إلى تشكيل ما أطلق عليه (شيوخ أم المعارك).. اشترى ذممهم بدفع هدايا مالية ومسدسات وامتيازات أخرى،لقاء قيامهم بالسيطرة على أفراد عشائرهم وأن يكونوا عيونا للسلطة في مناطقهم،واستجاب عدد منهم طمعا بـ(التكريم) أو دفعا لشرّ طاغية لا يرحم. ومثل هذا حدث أيضا في النظام الديمقراطي،إذ التقى رئيس مجلس الوزراء الأسبق (نوري المالكي) بعدد من الشيوخ بقصد كسب أصوات أتباعهم في الانتخابات وتأييدهم لشخصه حصلوا فيها على (مسدسات) تبدو في ظاهرها تكريما فيما هي في حقيقتها شراء موقف. وفي (20 نوفمبر 2019) التقى رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي عددا من شيوخ العشائر ليستعين بهم في قمع انتفاضة اكتوبر/ تشرين. وهذا حال كل الحكومات العراقية..إنها تستميل إليها شيوخ العشائر حين تشعر بخطر يتهددها،وإنها تجزل العطاء لمن يتعاون معها،وإن عددا من الشيوخ يستجيبون لذلك حتى لو كانوا يعلمون أن الحكومة على باطل.

ومع ان قادة احزاب وكتل سياسية يستخدمون نفس نصيحة (المس بيل) لأسيادها ، بكسب رؤساء العشائر بالرشا و( المسدسات) ، فانهم (رؤساء العشائر) وجدوا انفسهم بعد 2006 انهم اقوى من الدولة الذين يستجدى قادتها ودهم ، فوضعوا الدولة في جيوبهم وداسوا على القانون باقدامهم، وياويل الطبيب الما عنده عشيرة قوية اذا مات مريض ادخلوه غرفة الأنعاش وهو معه..فهو اما مهان او مقتول او دافع لتعويض(يكسر الرقبه).واذا كان الطبيب من عشيرة ، والمريض (المتضرر) من عشيرة اخرى ، فان عشيرة المريض (تنفض كوامه) على عشيرة الطبيب تطلب فصلا ( نسوان!) و تعويضا (ملايين)!.

ما المطلوب؟

أمران: الأول،تفعيل القانون يحدد بالصريح بان اي اعتداء على طبيب يعتبر جريمة يعاقب عليها بالحبس او الغرامة او بكليهما. ويوضح لأهل المريض المتضرر بأنهم اذا كانوا يرون ان الطبيب ارتكب فعلا خطئا ،وان كان غير مقصود..فان عليهم تقديم دعوة لأجراء التحقيق يصل الى تحديد ما اذا كان ما حصل خطئا او تقصيرا من الطبيب أم مضاعفات طبية.

والثاني، عقد مؤتمر لكبار شيوخ العشائر يتوصل فيها الى اصدار وثيقة شرف تمنع الاعتداء على اي طبيب او اخذ تعويض منه ، واعتماد القانون بوصفه القاضي الذي يحكم بالعدل.

بهذين الأجرائين ..تعاد للدولة هيبتها وللقانون سيادته وللأطباء كرامتهم وشعورهم بالأمن والحد من هجرتهم.

بقي ان نقول..نرجو ان لا يفهم كلامنا هذا بصيغة التعميم على شيوخ العشائر،فهناك عدد كبير منهم ادانوا هذه الظاهرة المخجلة، وهناك عدد آخر اقاموا خيما بساحة التحرير مع شباب انتفاضة تشرين ، وآخرون شاركوا في تظاهرات شعبية وهزجوا مع المتظاهرين ( نواب الشعب كلهم حراميه).. وعلى هؤلاء الشيوخ الأجلاء يكون رهاننا في القضاء على ظاهرة مخجلة وغير مسبوقة في تاريخ الطب في العراق ،تعيد للدولة هيبتها وللقانون سيادته وللطبيب مكانته التي كان يتمتع بها عبر مائة سنة.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 06-05-2025     عدد القراء :  192       عدد التعليقات : 0