الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الدوغماتية.. عقدة السلطة في العالم العربي

اطلعت على التعاريف الفلسفية والسياسية والسكولوجية والاجتماعية عن مفهوم او تعريف الدوغماتية، فوجدت انها تعني (الجمود الفكري). والمشكلة ليست في هذا الجمود بل في نوع السلوك او التصرف او الفعل الذي يصدر عن المصاب به.والمشكلة الأكبر حين يكون المصاب به مسؤولا في نظام حكم.

المفارقة..ان الحاكم الدوغماتي عادي ان يوجد في انظمة دكتاتورية او خاضعة لحزب واحد..سواء كان هذا الحزب نازيا (هتلر)، دكتاتوريا (صدام حسين)، ماركسيا (ستالين)مثالا.. لكن ان يكون هناك اكثر من حاكم ومسؤول مصاب به وهم في أنظمة توصف بأنها ديمقراطية..فتلك مغالطة واضحة، لأن الديمراطية تضمن حرية التعبير وضد كل اشكال التعصب..قومي،طائفي،ديني..

ونعود لنفهم أكثر عن (الدوغماتية) فهي في غوغل تعني (التَّعسفية أو اليقينية أو الجزمية أو العَقَدِيّة أو العقيدة أو القطعية (. وتعني في ترجمتها من الإنجليزية Dogma)‏)..حالة من الجمود الفكري يتعصب فيها الشخص لأفكارهِ الخاصة لدرجة رفضهِ الاطلاع على الأفكار المخالفة. وإن ظهرت لهُ الدلائل التي تثبت لهُ أن أفكارهُ خاطئة، سيحاربها بكل ما أوتي من قوة، ويصارع من أجل إثبات صحة رأيه..فيما عرّفها روكيتش بأنها "تنظيم معرفي مغلق نسبيًا للمعتقدات حول الواقع يركز حول مجموعة مركزية من المعتقدات حول السلطة المطلقة، والتي بدورها توفر إطارًا لأنماط التعصب والتسامح المؤهل تجاه الآخرين" (روكيتش 1954، ص 195).

المهم هنا ان يدرك المواطن أن (الدوغماتية Dogmatism) تعدّ احد أهم واخطر اسباب الأزمات السياسية والاجتماعية في العراق والعالم العربي.ومع ذلك فان السياسيين والاعلاميين يتعاملون معها كتعامل من ينشغل بوصف اعراض المرض ولا يلتفت الى تشخيص سبب العلّة..التي نكشفها لكم الآن.

لقد انشغل الفلاسفة بتحديد مضمونها،فمنهم من وصفها بانها طريقة منغلقة للتفكير،يمكن ان تصاحب اية ايديولوجية بصرف النظر عن محتواها ما اذا كانت دينية او علمانية. ومنهم من وصفها بانها تنظيم معرفي مغلق نسبيا خاص بمعتقدات ولامعتقدات الشخص بخصوص الحقائق والوقائع والسلطة المطلقة، فيما حددها آخرون بعدم قدرة الفرد على تغيير افعاله او اتجاهاته حتى لو تطلّب الموقف ذلك. وحددها آخرون بأقوال مطلقة من غير سند او برهان. وصنفها آخرون بانها صفة الأفراد الذين يسعون الى فرض آرائهم بالسلطة،او بالنفوذ..وانتهى آخرون الى انها الاعتقاد الجازم واليقين المطلق المستند الى مباديء تقليدية راسخة دون البحث عن وجه الحق في التسليم بها.

ولأن الجمود الفكري (الدوغماتية) يعدّ من وجهة نظر علماء النفس والاجتماع السبب الرئيس للخلافات السياسية التي غالبا ما تنتهي بحروب،وأنه (مرض)خالقي الأزمات من القادة السياسيين،فقد ظهرت حوله نظريات اشهرها نظرية روكيتش التي تناولها في كتابه (العقل المنفتح والعقل المنغلق). وعلى وفق هذه النظرية فأن الافراد منفتحي العقول (غير الدوغماتيين،غير المتطرفين)،هم الذين يقبلون التخلّي عن بعض معتقداتهم اذا ما اقتنعوا بخطئها،ويقبلون الافكار الجديدة اذا ساندتها ادلة قوية. اما الافراد منغلقي العقول (الدوغماتيون،المتطرفون) فهم الذين يرفضون الافكار الجديدة مهما كانت قوة الادلة التي تساندها، ويتشبثون بمعتقداتهم القديمة حتى ان ثبت خطؤها.

وعلى وفق نظرية التصنيف الاجتماعي فان الناس ينزعون الى تصنيف عالمهم الاجتماعي الى صنفين " نحن " (أو الجماعة الخاصة بالفرد) و " هم " (أو الجماعة الاخرى).وانهم يتحيزون لجماعتهم ويبالغون ويعظّمون ايجابياتها ويغمضون اعينهم عن سلبياتها، فيما يعمدون الى تضخيم سلبيات الجماعة الاخرى وغضّ الطرف عن ايجابياتها،وهذا ما كنّا نحتنا له مصطلحا جديدا بعلم النفس بأسم (الحول العقلي)،واثبتنا ان حكّام العراق..حولان في السياسة.

لقد توصلت الدراسات السيكولوجية الى ان الدوغماتي(الجامد فكريا) لا يسمع الا نفسه ولا يرى غيره ولا يتقبل الرأي الاخر،وليس هذا بسبب عدم كفايته الشخصية وانما بسبب شعوره بأنه منبوذ من قبل الآخرين،وهذا ما حدث لقادة احزاب الأسلام السياسي في العراق في انتخابات 2018 التي عزف عن المشاركة فيها اكثر من 80% من الناخبين العراقيين.

ولك ان تراقب حكّام العراق تجد أن اغلبهم يسارع الى رفض أي دليل او مناقشة تتعارض مع معتقداتهم،وينظرون الى الامور الجدلية على انها ابيض واسود فقط،وغير قادرين على التخلي عن ارائهم حتى لو بدا لهم خطؤها،بعكس صاحب الفكر المنفتح الذي يتشوق لمعرفة الجديد سواء كان موافقا لما يرى ام مخالفا له.

والمفارقة ان صاحب الفكر المنغلق لا يشعرك بأنه شخص عقلاني منطقي،كقول من كانت امور العراقيين بيده ثمان سنوات بأن العلمانية كفر وزندقة،لأنه متخندق مع نفسه ومتبرمج على معتقدات ومفاهيم جاهزة وقطعية..يحفظها عن ظهر قلب، دون ادنى اعتبار لمشاعر الآخرين،سيما اذا كان الشعب متنوع المكونات والمعتقدات كالشعب العراقي الذي يحتاج الى حاكم منفتح عقليا..انتظره ملايين العراقيين عشرين سنة،وقد ينتظرونه عشرين أخرى.. ان ظلت الدوغماتية تسكن منتعشة في جماهير القطيع!.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 12-05-2025     عدد القراء :  66       عدد التعليقات : 0