الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
برلمان أخرس

هل الذين يراهنون على قدرة البرلمان على حل أزمات العراق، يصدقون أنفسهم؟ لا أظن ايها السادة أن أحداً من العراقيين يمكن أن يرى في برلمان المحاصصة والطائفية طوق نجاةٍ من أزمات سياسية وخدمية واقتصادية.

منذ سنوات وهذه البلاد تنظر بأمل إلى قبة البرلمان، فيما السادة النواب يترددون في خطواتهم، لأنّهم يرون في العجلة الندامة، فماذا يعني إذا تأخرت مشاريع الكهرباء والصحة والتعليم، وارتفعت نسبة الفقر؟، المهمّ أن تترسّخ الديمقراطية التي تسمح لنواب لم يجلسوا تحت قبة البرلمان بأن يستلموا رواتب شهرية بالملايين وتحيط بهم الحمايات والسيارات المصفحة ويتجولون في بلدان العالم على نفقة برلمان معطل لمجلس النواب.. وتسمح لـ"الشيخ" يزن مشعان الجبوري ان ترافقه حمايات عسكرية تُدفع اموالها من حزينة الدولة.

ماذا فعلت السرعة بنا؟، جعلتنا نتخلّى عن عقلية "تكنوقراطيّة" بوزن ابراهيم الجعفري ، الذي لسوء حظنا طلّق السياسة بالثلاث، وتفرّغ لتجاربه في "المعجون الوطني"، فقد كان الرجل يطمئننا أن الدستور هو الذي يحمي الجميع، ولا يدري السيد الجعفري ومعظم ساستنا ان مشكلتنا مع دستور توهمت الناس وهي تذهب للاستفتاء عليه عام 2005 أنه سيساعد البلاد في التطلع إلى المستقبل وينهي عهد الحزب الواحد والنظام الواحد، فإذا به وبفضل عبقرية صالح المطلك وابتسامات مريم الريس و"حنكة" همام حمودي، يعمق هذه المشكلات والانقسامات، وليكتشف الواطن أنه يعيش مع دستور كُتب وصمم لمصالح الأحزاب والكيانات السياسية. ثم وقفت الناس في طوابير طويلة في انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات أملاً في تهدئة نفوس الساسة الثائرة من أجل الكراسي والمناصب، والانطلاق نحو عملية ديمقراطية، فاكتشفوا أن الانتخابات انطلقت بهم إلى عالم زائف من الممارسة السياسية. اليوم يعتقد البعض أن صبر العراقيين على تسعة عشر عاماً من الطائفية والمحسوبية والانتهازية السياسية وما رافقتها من مآسي يمكن أن يختصر في معارك من أجل برلمان انتفض من اجل قنفاته، ولم ينتفض للدماء التي سالت على جدرانه .

عندما بدأت الصين في الانتقال من المجتمع الزراعي إلى مجتمع صناعي متطور، لم تذهب باتجاه البنوك للحصول على أموال، بل كان باني الصين الحديثة دينغ شياو يقوم بزيارة سريّة إلى سنغافورة ليعرف بنفسه سرّ تطورها وكيف تحولت هذه الجزيرة من مستنقع فقير إلى قوة اقتصادية كبرى، وليقرر بعد عودته إلى بكين أن ينقل بلاده من زمن الخطابات والشعارات، إلى عصر "اليوان الصيني" الذي يُرعب الأسواق إذا ما مسّه سوء. أراد "دنغ شياو بنغ" وهو يبني الصين الحديثة أن يفيد من تجربة دول مثل اليابان وسنغافورة. ليكتشف في النهاية أن التطور يعني مسؤولاً يحب وطنه وشعبا يحترم العمل. حقّقت الصين رفاهية مستقرّة، وازدهاراً متواصلاً، من دون أن تسأل نفسها، أيهما أهمّ، التنمية والتطور، أم برلمان أخرس؟

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 27-05-2025     عدد القراء :  213       عدد التعليقات : 0