الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
حكومات وسياسيو العراق بين الخجل والحياء

   يُعرّف الخجل في علم النفس على إنه نوع من الاحراج سيما عندما يكون الشخص مع آخرين، ويذهب البعض الى أن الخجل يقود نحو الانطواء، لكن هناك من يرى في الخجل إيجابية وهي الندم على فعل مضى أو تصرف غير لائق، وأيضا فهو يقود نحو الحياء من أفعال قادمة مشابهة أو مقترنة بتصرف غير مقبول. ومن هنا فإن الحياء هو إمتناع عن فعل شيئ قد يقود الى اللوم فيه ، وبالتالي فهو يجعل المرء يفكر أكثر من مرة في القيام بأفعال قد تسحب نحو أخطاء بحق آخرين، ومن ذلك فإن الخجل هو لما مضى من أفعال والحياء لما سيأتي .

   وقد تناول العديد من المفكرين هذا الموضوع وقالوا فيه فالفيلسوف نيتشه يتحدث عن الحياء بوصفه "القوة الداخلية التي تجعل الفرد يبتعد عن السلوكيات القاسية والمؤذية" وفي هذا الاطار حسب نيتشه "يمكن أن يمثل الحياء أيضا قوة يمارسها الفرد على نفسه واخرين مع التمسك بقيمه وأفكاره" .

   أما شكسبير فقال "قمة الادب أن يستحي المرء من نفسه أولا" ، وقيل عن حياء المرأة على إنه يجلب الانتباه أكثر من جمالها، وعن حياء الرجل قيل إنه من الصفات الحميدة التي تزيده وقارا ورجولةً. ومن المقولات الجميلة "الناس بالناس ما دام الحياء بهم" وفي موروثنا الشعبي الكثير من الحكايات الشعبية عن الرجال الذين خجلوا من فعل خاطئ قاموا به وإعتذروا عنه وصححوا مواقفهم لاحقا وأيضا عن رجال إستحوا من فعل الخطأ وتحملوا عواقب ذلك بكل قوة حتى وإن كانت مؤذية مؤلمة.

   وعن من لا يستحي هناك أيضا الكثير من الحكايات والتأويلات والتي تصل بعضها حد التشكيك بتربيته واخلاقه بل وحتى نسبه العائلي والبايولوجي وعزوف الناس عن التعامل مع من لا يستحون لدرجة لا يتصاهرون معهم بكلا الاتجاهين وغير ذلك من أشكال المقاطعة وحتى الاحتقار.

   ربما كانت هذه المقدمة طويلة نسبيا لكني أراها ضرورية ومدخل لتقييم ساسة المحاصصة الذين قادتهم أحذية اليانكي الامريكي ليتسلطوا على مقدرات البلد أرضاً وشعباً ويخربون كل جمال حافظ عليه الناس رغم عهر ودناءة حكم سابقهم إبن العوجة ورهطه من أزلام البعث، أشباه الرجال، وحاملي لواء الخطايا والحقارة والارهاب والعسف المجتمعي، فأجهز ساسة الصدفة على قيمٍ مجتمعية كانت من موروث الاجداد مثل إحتقار السارق أو الفاسد، لكن الساسة المتنفذين جعلوا من الفساد ظاهرة منتشرة ليس على صعيد العمل الحكومي فحسب بل أيضاً على المستوى الاجتماعي وباتت مقبولة بتبريرات شتى، وبعد أن كانت نظرة الاحتقار تلاحق المرتشي صار اليوم يُمتدح على إنه يعرف كيف يسّير أموره ويستغل الفرصة، وحينما سمحوا بعودة بعض البعثيين الى مراكز مهمة في الدولة والسماح للاخرين من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي دون مساءلة وإنتقال الغالبية منهم الى صف الكتل الطائفية، صارت الانتهازية والوصولية من الاعراف المقبولة مجتمعيا والمبررة عند الكثيرين، وهكذا كانت كل ممارسات وسياسة المتنفذين تصب في عمل إنقلاب قيمي في المجتمع وأعتقد إنهم نجحوا بذلك الى حدود كثيرة واسندوا ممارساتهم تلك بتشريعات قانونية تدعم تلك التوجهات، وإلا بماذا نفسر قوانين العفو التي صدرت لأكثر من مرة وتشمل السارق والمرتشي والمجرم القاتل وغير ذلك من تهم العار التي كانت تلاحق مرتكبيها.

   والامثلة على كل تلك الممارسات عديدة مثل اطلاق سراح سارق من النوع الثقيل لدرجة سميت سرقته بـ (سرقة القرن) بحجة إنه سيبيع أملاكه المسروقة أيضا كي يسدد ما بذمته والنتيجة كانت مغادرته ليس التوقيف فقط بل والعراق مع ارصدته والتمتع بها أينما يشاء، ومن ثم يشمله العفو المشين ويقال إنه سيعود متزعما لحزب يشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة ، لم يخجلوا من كل ذاك ولم يكلف أي منهم نفسه لتقديم عذر وتبرير ما حصل حتى وإن كان عذرا غير مقبول. ومن أمثال هذه الافعال المشينة الكثير ، فمثلا بعد أن وصل الخلاف بين سياسيين إثنيين حد الشتائم واستخدام توصيفات دنيئة على بعضهما ويحشد كل ضد الاخر، يلتقيان في منصب رفيع ويتبادلان القُبل ويقول كل للأخر لا أستطيع تصور العملية السياسية بدونك!! فأية عملية سياسية بائسة وأي ساسة أوباش.

   أما الوعود والتعهدات وخاصة في فترة ما قبل الانتخابات فحدث بلا حرج، فكل مرشح منهم يقدم وعوداً على طريقة المثل الشعبي (يسوي الشط مركَـ والزور خواشيكَـ) لكن مجرد ما يتربع على كرسي البرلمان أو أي منصب حكومي أخر يهمل ما قال وما وعد به.

   من المخازي التي لم يخجل منها ساسة المحاصصة هي عملية تزوير الشهادات ففي البداية إقترح صاحب أطول فترة رئاسة وزراء عدم محاسبتهم وإعتبار التزوير جاء نتيجة لرغبة هؤلاء المزورين خدمة بلدهم بأفضل صورة لذلك زوّروا كي يتبوأوا المناصب التي تؤهلهم لتقديم الخدمات الجليلة، فتصوروا أية عقلية قذرة حكمت العراق، ولكن بعد إفتضاح الامر ووصول رائحته النتنة الى أبعد أنف في العالم قاموا بنشر أسماء الكليات والجامعات التي لا يُعترف بشهاداتها ولكن لما سيأتي من شهادات وليس لمن حصل عليها سابقاً أو كان يدرس في إحداها عندما صدرت تعليمات عدم الاعتراف بالشهادات!! فهل يوجد في كل تاريخ البشرية مثل هذه الوقاحة وهذا القبح؟

   ولأن السادة الحكام متدينين، جميعهم أو أغلبهم، فلابد من تذكيرهم بمقولة رددها فقهاء دين عدة وإتفق عليها من قبل مختلف المذاهب الاسلامية وهي (إذا ذهب الحياء، ذهب الدين كله) فهل يتذكرون هذه القاعدة الفقهية أم إنهم يتناسوها عن عمد؟ ولا أظن سطوراً بل وحتى كتباً ستكفي لتسجيل موبقات هؤلاء الذين لم يخجلوا وما زالوا لا يستحون من فعل المشين من الافعال وكما قيل (إذا كنت لا تستحي فأفعل ما شئت)

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 04-06-2025     عدد القراء :  126       عدد التعليقات : 0