أصبح أحد أشهر المهتمين بالكتب والمكتبات، كتبه تثير شهية دور النشر. الارجنتيتي ألبرتو مانغويل والذي احتفل بعيد ميلاده "السابع والسبعين" قبل ما يقارب الشهرين، يرى أن الكثير من البلدان ازاحت المكتبة واستبدلتها بـ " البنك" الذي تضعه العديد من الحكومات في المراكز الاولى من اهتماماتها، ويرى مانغويل ان القراءة انزوت في أركان بعيدة في مجتمعاتنا.
منذ سنوات أطرح على نفسي سؤالاً، أجوبته بالتأكيد معروفة؛ ما سبب إهمال الحكومات العراقية المتعاقبة لدور المكتبة في حياة العراقيين، ولماذا اختفت المكتبات العامة ولم يعد لها وجود؟.. يكتب الروائي غابريل غارسيا ماركيز: "المكتبات هي خزائن الذاكرة الإنسانية، وهي التي تحفظ للأمم تاريخها الحقيقي".
عندما انظر إلى أحد السياسيين العراقيين وهو يتحدث ويثير الشجون الطائفية اتساءل: ترى ما هي قائمة الكتب المفضلة لديه؟، هل قرأ يوماً علي الوردي أو فؤاد التكرلي أو الرصافي؟ وألوم نفسي وأسخر منها: يارجل إنهم يعشقون ميكافيللي من خلال السماع ولم يقرأوا صفحة منه، لكنهم طبقوا مبادئه المخادعة في السياسة.
في بادرة عربية نادرة، يحول حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد شغفه في القراءة الى مشاريع ثقافية، مهرجان تحدي القراءة، مكتبة عامة تضم ملايين العناوين، جائزة متميزة للغة العربية، مشروع الحي الثقافي، برنامج دولي للكتابة، مؤسسة ضخمة للمعرفة، تكريم لنوابغ العرب وكبار صحفييهم، واخيرا مبادرة توزيع 1000 مكتبة منزلية، تتضمن مختارات من الكتب دعماً لثقافة القراءة.
عندما يؤمن الحاكم بان، المعرفة والكتاب هما أفضل سبل التقدم وأكثرها ضمانة لبناء مجتمع متطور، فانت امام ظاهرة تثير الدهشة، وتجربة من تجارب التحضر، وتطور لا يتوقف. تؤمن الامارات ان على المسؤول ان يتسم بسعة الافق والمعرفة، يضاف لهما التواضع ومحبة الخير للجميع، والانتاج الحكومي الذي يسعد الناس بجميع طبقاتهم.
قلبت الامارات معادلة الارجنتيني مانغويل فلم تفضل البنك على المكتبة، وفي الوقت نفسه لم تتخلى عن البنك لمصلحة المكتبة، فالمال كما هو في خدمة التنمية والبناء، فهو ايضا في خدمة تنمية العقول.
يصف محمد بن راشد القراءة بانها مفتاح المعرفة وجسر الوصول إلى مكنونها، والسبيل للوصول إلى أعلى مراتب الابتكار في شتى المجالات، ويخاطب العاملين بمعيته: "ساعدوا النشء على النهل من معين المعرفة الذي هو سند الأمم ومدادها الأول في ترسيخ أسس نهضتها، فحب القراءة يُربى في الصغر، ويصبح عادة وثقافة لا يمكن الاستغناء عنها عند الكبر" .
أنا أعتذر، لأنّ البعض يسألني دوماً، أليس لديك سوى الحديث عن الكتب؟ ولا ذنب لي أيها السادة، ، فأنا مجرّد كاتب يبحث عن نافذة للأمل، وكانت واحدة من هذه النوافذ ما تقوم به الامارات التي تتحول مدنها يوما بعد آخر إلى مكتبة مفتوحة للجميع.