أتخيل المواطن العراقي المحاصر بانعدام الخدمات والبطالة وشرور الطائفيين، ، وهو يتأمل تقرير الحكومة عن المسيرات التي تقصف اربيل والسليمانية وكركوك ، مرة تخبره الجهات الامنية انها فتحت تحقيق لمعرفة الجهات التي تطلق هذه المسيرات ، ثم تنام الجهات الامنية يومين وتصحو لتقول إنها تندد بهذه الهجمات الغادرة وان التحقيق متواصل ، ثم تختفي أياما قليلة ليخرج علينا احد الناطقين وهو يهز رأسه قائلا: "ياجماعة نحن نواصل البحث عن الجماعات التي تريد العبث بأمن البلاد " ، وسيفرك المواطن العراقي عينيه متسائلاً وهو يستمع إلى هذه التصريحات العجيبة والغربية: هل نحن نعيش في بلاد تسخر من مواطنيها وتستغفل عقولهم إلى هذا الحد؟ هل صار العراقيون بحاجة إلى مسؤولين يغلقون هواتفهم في الليل ويتركون مواطني بعض المحافظات يقضون سهرتهم مع الطائرات المسيرة ؟ ، ام ان الأمر مجرد فيلم من افلام الخيال العلمي ، وان هناك اطباق طائرة هي التي تقصف آبار ومصافي النفط ؟ ، وما الأفضل للناس البقاء أسرى لخطابات الاجهزة الامنية التي لا تفارقها لازمة " التحقيق جاري "، أم تصديق رواية ان الامبريالية هي التي تقصف هذه مناطق ؟.
ماذا يفضّل العراقيون حقاً: العدالة الاجتماعية والرفاهية والأمان، التي ما يزال جميع السياسيين يتغنون بها من أجل الحصول على مزيد من الامتيازات والأموال المنهوبة والمناصب، أم الطائرات المسيرة والصواريخ ونهب الثروات؟ من أوصل المواطن المسكين إلى هذا الخيار؟ إما الصمت على ما يجري من خراب ، أو الهتاف لاجراءات الاجهزة الامنية التي لاتزال تبحث عن الاطباق الطائرة ؟ ماذا حدث لـ"دولة التنمية والاصلاح والبناء "؟ لماذا تغيب خطب محاسبة العابثين بامن البلاد، ولماذا يصمت المدعي العام ؟ بماذا يفكر المواطن وهو يرى المسؤولين يسخرون من معاناته ويقولون له بكل بساطة لم يحن الوقت بعد لأن تصبح صاحب قرارٍ حرٍ، فما زال هناك الكثير من الصواريخ والمسيرات التي نريد أن نجربها؟! ماذا سيقول المواطن العراقي في نفسه عندما يرى أن تضحياته على مدى عقود كاملة انتهت إلى طائرات مسيرة تتجول في سماء العراق دون أن يسألها أحد: ماذا تفعلين؟
يبدو الأمر سريالياً، ونوعاً من مسرحية عبثية ، في بلاد تعجز القوات الأمنية وتتخاذل عن إلقاء القبض على أحد "المفسدين"، لكنها تمارس هيبتها وسلطتها ضد متظاهرين عزل.
في بلاد العجائب والغرائب يبدو المشهد شديد التناقض وموغلاً فى السخرية، جهات مسلحة تصر ان من حقها ان تواصل لعبة اطلاق المسيرات ، وملايين المواطنيين ينتظرون الكهرباء التي صرف عليها مئة مليار دولار ، ايها السادة نحن نعيش في بلاد يريد الجميع أن يضعها تحت إبطه، ومع ساسة بلا مواقف سوى مواقف الصفقات والخطابات الطائفية والعنصرية .