الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
"دجلة ليس لنا بعد الآن".. الخصخصة تبتلع ضفاف النهر في بغداد
الإثنين 12-05-2025
 
المدى

شهدت ضفاف نهر دجلة، خلال السنوات الأخيرة، تحوّلات كبيرة في معالمها ووظيفتها الاجتماعية والبيئية، إذ باتت هذه المساحات الطبيعية الخضراء تخضع لسيطرة متزايدة من قبل مشاريع استثمارية خاصة، تضم مطاعم وكازينوهات ومرافق ترفيهية مغلقة، ما أدى إلى حرمان عامة الناس من الوصول الحر والمجاني إلى النهر، الذي لطالما كان رمزًا من رموز الحياة في بغداد، ومتنفسًا لأهلها.

من حق عام إلى امتياز خاص

في السابق، كانت ضفاف دجلة، لا سيما في الكرادة والأعظمية والجادرية، أماكن مفتوحة يتنزه فيها الناس مجانًا. لكن السنوات الأخيرة شهدت تغييرًا جذريًا. سلاسل من المطاعم والكازينوهات ومشروعات سياحية أُقيمت بمحاذاة النهر، بعضها يفرض رسوم دخول، وأخرى تحوّل المنطقة إلى "ممتلكات شبه خاصة" يُمنع دخولها إلا عبر بوابات وموافقات. يقول أبو ياسر لـ(المدى) وهو موظف متقاعد من سكان بغداد: "كنا نأتي إلى هنا بأقدامنا حفاة، نلعب ونسبح ونشاهد الغروب بلا حواجز. اليوم حتى الوقوف على حافة النهر صار ترفًا لا يُتاح إلا لمن يدفع. لم يعد المكان لنا".

يرى متخصصون أن المشكلة لا تكمن في الاستثمار بحد ذاته، بل في غياب التخطيط الحضري والرؤية الشاملة. حيث يقول الدكتور حسام الوائلي، أستاذ التخطيط الحضري، لـ(المدى): "ما يحدث هو خصخصة لواجهات نهرية كان يجب أن تُدار كمرافق عامة. المشكلة ليست في إقامة مطاعم أو منشآت، بل في غياب توازن بين التطوير والحفاظ على الحق العام. للأسف، لا توجد سياسة وطنية واضحة لإدارة الضفاف، ولا لوائح تمنع التعدي المفرط". مشيرا إلى: "أن كثيرًا من هذه المشاريع أُقيمت دون دراسات بيئية أو تشاور مع المجتمع المحلي، ما يهدد ليس فقط العدالة الاجتماعية، بل النظام العمراني ذاته".

المستثمرون يدافعون

من جهة أخرى، يدافع بعض المستثمرين عن أنفسهم، ويرون أن مشاريعهم أنقذت الضفاف من الإهمال والخراب. يقول أحمد كمال، مدير مشروع ترفيهي على ضفاف دجلة في الجادرية لـ(المدرى): "قبل أن نأتي إلى هنا، كانت المنطقة مليئة بالنفايات، مهجورة وخطيرة. نحن نظفناها، وبنينا بنية تحتية، وشغّلنا عشرات العاملين. نقدم تجربة سياحية راقية، وهذا يتطلب كلفة. نحن نعمل بتراخيص رسمية، ولا نمنع أحدًا من الدخول، لكن هناك خدمات تستوجب مقابلا". ويضيف: "نحن لا نصادر النهر. نحن نعيد الحياة إليه. من حق الناس الترفيه، لكن من حقنا كمستثمرين أن نحصل على مردود مقابل الاستثمار"

البيئة تدفع الثمن

لكن هذه المشاريع، بحسب مختصين، تأتي على حساب البيئة. فالاستثمار الجائر والمباني المقامة قرب النهر تؤثر على جريان المياه، وتسهم في التلوث، وتؤدي إلى تآكل الضفاف، ناهيك عن التأثير على الحياة النباتية والبرية المرتبطة بالمجاري المائية.

المهندس البيئي ناظم الحيالي يحذّر عبر المدى من عواقب خطيرة: "الضفاف الطبيعية تدمر يومًا بعد يوم. البناء قرب المجرى المائي يعرّضه للتآكل، وبعض المنشآت تُصرف نفاياتها مباشرة في النهر، وهو ما يهدد التنوع الحيوي. كما أن إزالة الأشجار والمسطحات الخضراء يعمّق الأثر البيئي". ويضيف: "إذا لم تتدخل الدولة بوضع خطة تنظيمية، فإننا قريبًا سنواجه كارثة بيئية يصعب إصلاحها. دجلة ليس فقط نهرا، بل نظام بيئي متكامل".

#دجلة_للجميع

في مواجهة هذا الواقع، بدأت حملات مدنية على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بإعادة فتح الضفاف للعامة، ومن أبرزها حملة #دجلة_للجميع التي أطلقتها الناشطة المدنية زهراء العبيدي، والتي تقول من خلال المدى: "المشكلة ليست في وجود مطاعم أو نشاطات ترفيهية، بل في منع الناس من الجلوس قرب النهر دون دفع. نحن نطالب بمساحات عامة خضراء، مجانية، مثل ما هو معمول به في كل دول العالم". وتكشف: نحن نواجه خصخصة تدريجية لذاكرة المدينة. كل طفل يجب أن يعرف دجلة، لا من خلف السياج، بل من ترابه ومائه وهوائه".

هل من أمل؟

رغم المخاوف، هناك إشارات وإن كانت خجولة إلى نية بعض الجهات الرسمية مراجعة السياسات الحالية. مصدر في أمانة بغداد (طلب عدم الكشف عن اسمه) قال لـ(المدى): " نحن ندرك وجود خلل في إدارة بعض العقود، وهناك خطط لمراجعة التخصيصات وضمان وجود مساحات عامة. لكننا نواجه تحديات من حيث التمويل والضغوط السياسية".

في خضم هذا الجدل، يظل دجلة شاهدًا صامتًا على تحوّلات المدينة: من نهر يروي الأرض والناس، إلى مشهد محاصر بالسياج والفواتير. وبين الاستثمار والتهميش، يتساءل العراقيون: هل سنظل نعيش في مدن تُبنى لغير سكانها؟ وهل سيأتي يوم تعود فيه ضفاف دجلة مفتوحة كما كانت، أم سيصبح النهر، كغيره من الموارد، حكاية من الماضي؟

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
"هدية مجانية".. أول تعليق من البيت الأبيض على الطائرة القطرية الفاخرة لترامب
"دجلة ليس لنا بعد الآن".. الخصخصة تبتلع ضفاف النهر في بغداد
البابا ليو يدعو لوقف الحرب في أوكرانيا وغزة
الحكومة العراقية تقرر تجهيز المولدات الأهلية بوقود "الكاز" بشكل "مجّاني"
مصانع الظل: كيف تحوّل العراق إلى ورشة أسلحة إيرانية لصراعات المنطقة
العراق يتذيل قائمة الدول الأفضل للنساء
العمال الكردستاني يسلم السلاح ويحل نفسه اليوم
السوداني وأردوغان يرعيان توقيع 10 مذكرات تفاهم بين العراق وتركيا
بعد 4 أشهر من المفاوضات.. سلاح الفصائل موجود لكن معطّل بقرار إيراني
البابا ليو الرابع عشر يُطلُّ على العالم
بدأ العد التنازلي لـ«قمة بغداد».. هل يُربك «ترامب» حضور الزعماء العرب؟
ريم العبلي حفيدة بيوت الكفاح والشهداء
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة