الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
التغير المناخي يهدد كنوز العراق الأثرية.. حضارات الطين تواجه خطر الاندثار
الثلاثاء 27-05-2025
 
المدى

تواجه بقايا الطين والحجر اختبار البقاء، إذ تتسلل آثار التغيرات المناخية إلى قلب المدن القديمة، وتُضعف أسس الحضارات التي شيدت قبل آلاف السنين، وباتت تتآكل ببطء تحت وطأة الشمس الحارقة، وملوحة التربة، وزحف الرمال الصامت. ويتوقع مختصون اندثار تلك الاثار في حال استمر اهمالها.

يحذر ممثل جامعة واسط لشؤون التراث الثقافي، مصطفى الغزي، من التأثيرات المتفاقمة للتغيرات المناخية على المواقع الأثرية في العراق، ويؤكد أن هذه الظاهرة "باتت تهدد واحدة من أغنى الحضارات الإنسانية وأكثرها عمقا وأصالة في التاريخ".

ويقول الغزي لـ(المدى)، إن "العراق نشأت على أرضه أولى الحضارات البشرية كالسومرية والبابلية والآشورية، وما تزال شواهدها قائمة في أكثر من 15 ألف موقع أثري، ثمانية منها أدرجت بالفعل على لائحة التراث العالمي لليونسكو، فيما تنتظر 14 موقعاً آخر الإدراج ضمن اللائحة التمهيدية."

وأشار إلى أن "العراق يحتفظ بذاكرة إنسانية موثقة في معالمه الأثرية، لكن هذه الذاكرة باتت تواجه تهديدات متسارعة نتيجة التغير المناخي، مبينا أن "ارتفاع درجات الحرارة وتذبذب الأمطار وتكرار العواصف الغبارية والغبار العالق، أدت إلى عمليات تجوية وتعرية وتملح وتصدع في التربة، ما تسبب بتدهور خطير في عدد من المواقع الأثرية البارزة."

ويشير الغزي إلى أبرز المدن الأثرية المتضررة تشمل أور، أوروك، بابل، عقرقوف، طاق كسرى، واسط الأثرية، وسامراء، معبرا عن اسفه لغياب الخطط الوقائية، وعدم مواكبة التقدم العلمي في تقنيات الصيانة والترميم، فاقما من حجم الخطر.

وعن الأسباب، لفت الغزي إلى أن "النشاط الصناعي العشوائي، وسوء استخدام مصادر الطاقة، إلى جانب تراجع النشاط الزراعي وإزالة الغطاء النباتي، ساهمت في خلخلة التوازن البيئي، وخلقت ظروفا مناخية قاسية تهدد الآثار بشكل مباشر."

ويدعو الغزي إلى وضع قضية الحفاظ على المواقع الأثرية ضمن أولويات السياسات التنموية، ويؤكد أن "من واجب الهيئة العامة للآثار والتراث، بالتعاون مع الجهات الحكومية المختصة، والمنظمات والجامعات الدولية، تبني إجراءات علمية وتقنية متقدمة، تشمل الترميم والصيانة، لحماية ما تبقى من إرث حضاري لا يقدر بثمن."

واضاف: "التراث ليس ذاكرة وطنية فحسب، بل هو ثروة إنسانية، وضياعه يعني ضياع جزء من تاريخ البشرية."

ويُكمل مدرس مساعد/ الجامعة العراقية مثنى سعدون الهنداوي ماجستير اثار من جامعة القاهرة حديثه بالإشارة إلى أن التغيرات المناخية لم تكن مجرد أحداث طارئة في التاريخ القديم، بل كانت محركًا رئيسيا في صعود وسقوط العديد من المدن القديمة، بل وحتى انتقال السلطة من منطقة إلى أخرى. فقد غيّرت الأنهار مجاريها في وسط وجنوب العراق، مما أدى إلى تصحر بعض المناطق وهجرة السكان منها، كما حدث في مدن مثل أريدو والوركاء، إذ تخلّت عنها المياه، فزحفت الرمال على معالمها وتحولت إلى مناطق مهجورة.

ويضيف أن هذا التحول لا يمكن قراءته بمعزل عن التغيرات الطبيعية، بل يجب فهمه ضمن إطار التفاعل الحتمي بين الإنسان والبيئة. ويُظهر هذا التفاعل كيف أن غياب الماء، أو تحول مجراه، كفيل بأن ينهي حضارة مزدهرة، ويطفئ نار مدن كانت مراكز إشعاع ثقافي.

ويرى الهنداوي أن دراسة هذه التغيرات ليست ترفاً أكاديمياً، بل ضرورة لفهم الواقع الحالي، إذ أن العراق اليوم يواجه تحديات بيئية مشابهة، أبرزها نقص المياه الناجم عن بناء السدود في دول الجوار، وسوء إدارة الموارد المائية. هذه المشكلات لا تهدد فقط الزراعة أو مياه الشرب، بل تمس جوهر الوجود الحضاري، لأنها تسرع من اندثار المواقع الأثرية، وتهدد التراث الإنساني المدرج ضمن قائمة اليونسكو.

ويشير إلى أن المدن القديمة كانت تحاول التكيف مع بيئاتها بطرق بارعة، كما في مدينة الحضر التي استغلت طبيعتها الصحراوية عبر مشاريع حصاد المياه، وخزانات الأمطار، واستخدام ينابيع تنبع من جبال سنجار، مما وفر استقرار زراعي ومائي ساعد على صمود المدينة، قبل أن تتغير الظروف المناخية ويحدث التحول البيئي الذي ساهم في أفولها.

ويؤكد أن التغيرات البيئية ليست وحدها من تهدد الآثار، بل ثمة عوامل بشرية تضاف إلى مشهد التهديد، أبرزها التنقيب غير المشروع الذي يقوم به غير المختصين بدافع الطمع، مما يؤدي إلى فقدان السياق الطبقي لللقى الأثرية، ويجعل من الصعب فهم طبيعتها أو موقعها الأصلي ضمن التسلسل الزمني. وهو ما يُعدّ إهدارًا لا يُعوّض للمعرفة التاريخية.

كما يلفت إلى أن عمليات الترميم، حين لا تراعى فيها المعايير الدولية، تتحول من أداة إنقاذ إلى وسيلة تدمير. إذ يجب أن تتم الترميمات باستخدام مواد مماثلة للمواد الأصلية من حيث الشكل والنوع، مع ضرورة التمييز الواضح بين الأجزاء الأصلية والمضافة، كي تحفظ الهوية المعمارية، ولكي تزال العناصر الحديثة بسهولة مستقبلاً دون إلحاق ضرر بالأثر الأصلي. فعمليات الترميم، في جوهرها، لا تعني استحداث جماليات، بل وقف التدهور ومعالجة التآكل بأقل تدخل ممكن، وبأسلوب علمي.

ويتابع أن "العراق لا يزال يعاني من آثار تدمير بشري آخر حدث في الماضي حين تم استخدام الطابوق الأثري في بناء الدور أو السدود، كما حدث في بابل وغيرها". مضيفا أن ضعف الثقافة العامة بشأن قيمة الأثر يجعل من التراث هدفا سهلاً للعبث، في غياب وعي حقيقي بأهمية الحفاظ على هذا الإرث الذي لا يقدر بثمن.

ويرى الهنداوي أن "العراق، رغم التحديات، يمتلك فرص واقعية لإنقاذ تراثه، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والعلمية لتبني سياسات حماية متقدمة، تبدأ من دراسة التأثيرات المناخية وتستند إلى شراكات دولية فعالة، وتنتهي عند تعزيز الوعي المجتمعي، وربط الأثر بهوية الإنسان المعاصر".

ويتابع بالقول، إن "الاثار ليست حجارة صامتة، بل شواهد حية تنبض بتاريخ الأمم، وأي تفريط بها هو تفريط بالذات، وأن الحفاظ عليها مسؤولية مشتركة تتجاوز المؤسسات إلى كل فرد، لأن التراث ليس ترفًا ثقافيًا، بل صمام أمان للهوية الوطنية والوجود الحضاري".

ويؤكد الباحث في الاثار عمار المصطفى، أن الآثار العراقية تواجه اليوم تهديدا وجوديا غير مسبوق بفعل التغيرات المناخية، التي بدأت تترك آثارا ملموسة على كثير من المواقع التراثية الممتدة في عمق الجغرافيا العراقية، من الجنوب حتى الشمال. ويشير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة، وزحف الرمال، وشح المياه، والتغير الحاد في الرطوبة والتبخر، كلها عوامل طبيعية تتقاطع مباشرة مع البنية الهشة للأبنية الأثرية التي شيدت في الغالب من الطين أو اللبن أو الحجارة غير المعزولة، مما يجعلها عرضة للتآكل والتشقق والانهيار التدريجي.

ويوضح المصطفى لـ(المدى)، أن المواقع الأثرية الكبرى في العراق، بما في ذلك أور وأوروك وبابل وسامراء وعقرقوف وواسط، تتعرض يوما بعد يوم لضغوط مناخية متزايدة، تظهر على شكل تصدعات في الأبنية، وانهيارات جزئية، وتعرية للطبقات السطحية، بالإضافة إلى اندثار تدريجي لبعض المعالم المعمارية بسبب الكثبان الرملية والرياح المحملة بالغبار والملوحة العالية في التربة.

ويضيف أن مدينة أور الأثرية، على سبيل المثال، تعد من أكثر المواقع تأثرا، إذ تواجه تاكلا مستمرا لجدرانها الطينية نتيجة الأمطار المتذبذبة والحرارة العالية التي تتبعها فترات جفاف. في حين تعاني مدينة بابل من ملوحة المياه الجوفية وغياب الصيانة الدورية، وهو ما أدى إلى هبوط التربة تحت بعض منشاتها. أما آثار عقرقوف، فهي تتعرض للتعرية بفعل الأمطار والغبار، دون وجود غطاء نباتي واق أو حماية إنشائية مناسبة.

كما يلفت المصطفى إلى أن ما يُعرف بالبيئة الهشة المحيطة بمواقع الأهوار، مثل تل اللحم وتل أبو طبيرة، جعلها في مرمى الخطر بعد انخفاض مناسيب المياه، وتحول بعض المناطق الرطبة إلى أراضٍ متشققة وجافة، ما يهدد بفقدان العلاقة العضوية بين البيئة الطبيعية والمواقع التراثية التي تشكلت حولها.

ويحذر من أن استمرار هذا الإهمال، بالتزامن مع غياب خطة طوارئ بيئية وأثرية متكاملة، قد يؤدي إلى فقدان مواقع تاريخية لا تُقدر بثمن، بعضها مدرج على لائحة التراث العالمي وأخرى بانتظار الإدراج.

ويدعو الجهات المعنية، وفي مقدمتها الهيئة العامة للآثار والتراث، إلى إدراج ملف "الآثار والتغير المناخي" ضمن أولويات السياسات الوطنية، والتنسيق مع المنظمات الدولية والجامعات المختصة لاعتماد منهجيات علمية حديثة في الصيانة، والوقاية، والرصد البيئي للمواقع التراثية.

ويضيف: "العراق لا يملك رفاهية التأجيل، فكل تأخير في مواجهة تحديات المناخ يعني تسارع اندثار كنوز حضارية لا تعود، وفقدان فصول حيوية من ذاكرة الإنسانية".

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
غليان شعبي وسط العراق.. 5 محافظات غاضبة من بغداد وتلويح بالتصعيد
المحكمة العليا الأمريكية تجيز لترامب ترحيل نصف مليون مهاجر
تحذير من خطورة أزمة تتفاقم يومياً وتهدد وجود العراق
السوداني يطلق مدينة الصدر الجديدة ويؤكد: 60 ألف وحدة سكنية لتغيير وجه العاصمة
بعد فشل تحقيق أهدافه الاقتصادية، إيلون ماسك يغادر منصبه كمستشار في إدارة ترامب
خلال 25 عاما.. تقرير يحذر من اختفاء مدن أميركية كبيرة
احتفاء عربي بفخري كريم.. شخصية العام الإعلامية في قمة دبي 2025
التغير المناخي يهدد كنوز العراق الأثرية.. حضارات الطين تواجه خطر الاندثار
ما قصة "الكاميرا الذهبية" وعلاقته بصدام حسين و"كعكعة الرئيس"
طلاب جامعة هارفارد الأجانب يواجهون حالة من عدم اليقين بعد توقف خطة ترامب لمنع التسجيل في الوقت الحالي
زوجة والي داعش: روسيات علمنا القرآن.. والأوروبيات الأكثر رغبة بالعمليات الانتحارية
قاضٍ فدرالي يجمّد قرار ترامب بمنع تسجيل الطلاب الأجانب في هارفارد
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة