ربط تقرير لموقع "غرين بروفيت" المتخصص بالحلول المستدامة لقضايا العالم، بين مشهد العراق المائي حالياً وبين بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس القديمة التي اشتهرت بإتقانها فن إدارة المياه وسبقت بتطورها أنظمة القنوات المائية الرومانية.
وأشار التقرير، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أنه في ظل تصاعد التوترات حول المياه في العراق والشرق الأوسط، فقد جاء مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه ليسلط الضوء وبالتوقيت المناسب، على مستقبل البلد الهش مائياً، وماضيها الهيدرولوجي العريق الذي تتمتع به.
ولفت الموقع، الذي يتخذ من تورنتو الكندية مقراً له، إلى أن وجود نظام قنوات قديم في بلاد فارس وقد انتشر في كل أنحاء الشرق الأوسط القاحل، وهي أنظمة سبقت القنوات المائية في بلاد الرومان.
وأوضح التقرير أنه في قلب بلاد ما بين النهرين اتقنت الحضارات القديمة فن إدارة المياه، مشيراً إلى أن مؤتمر بغداد استقطب خبراء وقادة إقليميين من أجل مواجهة أزمة تزداد خطورة سنة بعد سنة تتمثل في شح المياه، حيث إنه في ظل جفاف الأنهار وإنهاك النظم الزراعية الحديثة، فأن العراق يجد نفسه عند تقاطع طرق بين تراثه الهيدروليكي وحاضره الذي يزداد جفافاً.
وتابع التقرير قائلاً إنه في الأرض الواقعة بين دجلة والفرات كانت في يوم من الأيام مولداً للابتكار، حيث إنه قبل آلاف السنين من ظهور الري الحديث، كان السومريون والأكاديون والبابليون والآشوريون، يحفرون القنوات وقاموا بتصميم أحواض الفيضانات، وطوروا أنظمة القنوات التي تمثل قنوات جوفية لنقل المياه من ينابيع الجبال إلى المزارع البعيدة.
وبحسب التقرير، فإن هذه الأنظمة لم تكن مجرد منجزات تقنية، وإنما كانت بمثابة شريان الحياة للمدن والمعابد والتجارة، حيث إن المياه كانت المحرك لكل شيء، من صعود الأمبراطوريات إلى الأشعار المحفورة على الألواح الطينية.
لكن التقرير الكندي، نبّه إلى أن الأنهار التي كانت غزيرة في الماضي، والتي كانت تساهم في تعزيز تلك الثقافات القديمة، تتراجع حالياً، في حين ساهمت السدود المقامة أعلى النهر، والملوحة، والصدمات المناخية، وسوء الإدارة، إلى إنهاك البنية التحتية المائية في العراق وأصبحت قديمة.
ولفت التقرير، إلى أن الزراعة تستهلك في الوقت الحالي، أكثر من 90% من مياه العراق، مضيفاً أنه برغم ذلك، فأن إنتاجية المحاصيل آخذة في التراجع، مردفاً: "بعض التقديرات تشير إلى أنه في حال عدم إجراء إصلاح، فأن إنتاجية القمح والشعير ستتراجع بدرجة بمقدار النصف بحلول العام 2050".
وحذر التقرير، من أن هذه ليست مجرد أرقام، حيث إن شح المياه يؤدي في المجتمعات الريفية في العراق والمتعتمدة بدرجة كبيرة على الزراعة التقليدية، يتم اقتلاعها من جذورها فعلياً، موضحاً كمثال أن الأهوار التي كانت غنية بالتنوع البيولوجي، تتبخر، في حين أن اختفاء المياه من أراضي الأجداد، يهدد بانقطاع الروابط التاريخية والدينية والهوية.
وذكر أن هذا الوضع أشعل الصراع ليس بين الدول التي تتشارك في منابع الأنهار وحدها، وإنما في داخل العراق نفسه، مشيراً إلى أن النزاعات حول حقوق المياه تتزايد، وأن أعمال عنف وقعت بالفعل في بعض المناطق، مضيفاً أن جيل الشباب، وخصوصاً النساء وصغار المزارعين، لا يجدون سوى خيارات محدودة، فأما أن يتكيفوا أو يرحلون عن أراضيهم.
وبعدما لفت التقرير إلى أنه برغم خطورة الوضع فإن العراق لا يخلو من الحلول، حيث يسترجع قيمة ماضيه، ويتبنى بحذر التقنيات الحديثة، موضحاً أن "أدوات الاستشعار عن بعد، كتلك المُستخدمة في برنامج WaPOR، تساعد المزارعين على مراقبة استخدام المياه وتحسين الري".
وخلص التقرير الكندي، إلى القول إن "أنظمة الطاقة الشمسية، التي يتم اختبارها في مصر وتونس، تمنح الأمل للمناطق التي لم تعد فيها مضخات الديزل صالحة للاستخدام، بينما يجري حالياً إحياء جمعيات مستخدمي المياه التي تقودها المجتمعات المحلية، والتي تعيد التذكير بهياكل الحوكمة الجماعية القديمة للمياه لاستعادة الثقة والمساءلة".