“لدينا شعور بالإحباط لا يوصف لسماعنا أن بعثة الأمم المتحدة سوف تغادر، لأننا على يقين أن الجهات المحلية لن تلتفت إلينا،” يقول سلطان محمود، الناجي من المجازر التي ارتكبها تنظيم داعش ضد الإيزيديين في سنجار، شمالي العراق، عام 2014.
فقد محمود معظم أفراد أسرته أثناء اجتياح التنظيم مدينته. وكانت “يونامي” من الجهات القليلة التي عملت على توثيق جرائم داعش ضد الإيزيديين، ومتابعة العدالة الانتقالية للضحايا.
وفي مايو 2024، صوت مجلس الأمن الدولي، استجابة لطلب من الحكومة العراقية، بالإجماع على قرار يقضي بوقف أعمال بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في 31 ديسمبر 2025.
يقول محمود لموقع “الحرة” إن نهاية عمل يونامي يعني حصول “فراغ لا يمكن سده بسهولة”.
تأسست يونامي في عام 2003، بعد عملية تحرير العراق التي قادتها الولايات المتحدة للإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1500، بناء على طلب من مجلس الحكم الذي تولى إدارة البلاد للفترة الانتقالية.
ومن أبرز المجالات التي عملت فيها بعثة يونامي خلال 22 عاما الماضية، دعم الحوار بين العراق والدول المجاورة، والحوار الوطني بين الأطراف السياسية والمكونات العراقية كافة، كما عززت دورها الاستشاري والتقني في مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، إلى جانب مساعدة الحكومة العراقية في المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وحمايتها لبناء وتقوية الثقة بين الحكومة ومؤسسات العدالة والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية.
في المجالات الحقوقية، تركزت جهود يونامي على السعي لتحقيق العدالة الانتقالية للناجين والناجيات من إرهاب تنظيم داعش، والتحقيق في جرائم الإبادة الجماعية التي نفذها التنظيم ضد الإيزيديين، والمكونات الدينية والعرقية الأخرى.
ويرى محمود أن الناجين والناجيات هم الأكثر تضررا من قرار إنهاء مهمة بعثة يونامي.
ويطالب الحكومة بتشريع قانون جديد يحافظ على خصوصية الأقليات والحد من خطاب الكراهية قبل انتهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في نهاية العام الحالي.
ولم يرد المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، على استفسارات “الحرة” بشأن الموضوع.
غياب الرقابة الدولية
يقول العضو السابق في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، علي أكرم، إن غياب “يونامي” سيؤدي إلى فقدان العراق آلية رقابية دولية محايدة، كان لها دور مهم في كشف الانتهاكات وتقديم تقارير دولية في مسائل الفساد والحوكمة.
ويتوقع أكرم أن يكون هناك تراجع في مجال الدفاع عن الفئات الهشة والمهمشة، ودور المجتمع المدني في إيصال صوت هذه الفئات إلى المجتمع الدولي.
ويضيف لـ”الحرة” أن “غياب البعثة الأممية من شأنه أن يقلل الضغط الذي كانت منظمات المجتمع المدني تمارسه على السلطات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان والحريات في البلاد، وبالتالي سيقوي الجهات خارج إطار الدولة ويفتح المجال أمامها لمد نفوذها وإضعاف هيبة الدولة”.
ويعتقد عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق أن العراق ليس قادرا بعد، من دون يونامي، على التصدي للفساد في مؤسسات الدولة وتدخل مجاميع من خارج إطار الدولية في عملها، يعتبر أكرم الفساد الموجود في مؤسسات الدولة العراقية.
وفي يونيو 2024، شدد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال ترأسه اجتماعا لمجلس الوزراء على أن “إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، لا يعني القطيعة، إنما سيستمر التعاون بين العراق والأمم المتحدة في برامج الاقتصاد والتنمية والمناخ والبيئة، والمساعدة الفنية في الانتخابات”.
ولفت السوداني إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي إنهاء مهمة البعثة يضع العراق في صلب دوره الحضاري، بوصفه حجر زاوية في أي عملية استقرار أمني واقتصادي تحتاجها المنطقة والعالم.
نتائج غير ملموسة
في المقابل، ترى الناشطة المدنية، غدير حسن، أن وجود بعثة الأمم المتحدة “يونامي” لم تكن له نتائج ملموسة في ما يتعلق بالتأثير على الواقع الذي يعيشه العراقيون منذ سنوات.
وتضيف لموقع “الحرة” أن الفساد لا يزال قائما والعدالة لضحايا الإرهاب لم تتحقق بعد، ولا يزال عنف الجماعات المسلحة مستشريا.
ولعل من أبرز المجالات التي ركزت البعثة عليها خلال السنوات الماضية ولعبت دورا رئيسيا في دعمها، هو مساعدة العراق وإقليم كردستان في تنظيم الانتخابية البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات منذ عام 2005 وحتى الآن.
وتشير تقارير البعثة الى أن دورها لم يقتصر على مراقبة الانتخابات ونتائجها، بل شمل تقديم الدعم الفني والمشورة السياسية والمساعدة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وفي عملية الانتقال السلس للسلطة بعد الانتخابات، وفي تعزيز الحوار السياسي لتشكيل الحكومات بعد كل عملية انتخابية.
ويخشى الخبير في القانون الدستوري، وائل البياتي، من تراجع كبير في ملفي حقوق الإنسان والانتقال الديمقراطي للسلطة بعد انتهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة في البلاد.
ويتزامن انتهاء مهمة البعثة مع الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي.
ويبين البياتي لـ”الحرة”، الوقت الذي ستنتهي فيه مهمة البعثة الأممية، يعتبر حساسا بالنسبة للعراق، إذ سيتزامن مع مرحلة إعلان نتائج الانتخابات، التي يسودها عادة شد وجذب وتشكيك في النتائج.
ويعتقد البياتي أن غياب البعثة سينعكس بشكل أساسي على جميع المستويات بمقدمتها المستوى السياسي.
“سنشهد تراجعا كبيرا في مستوى بناء الديمقراطية، وبالتالي سيؤثر هذا على قدرة الحكومة العراقية القادمة في تعزيز مؤسسات العدالة الانتقالية واستكمال إجراءاتها في هذا المجال”.